سوق الذهب بالمكنين: تاجرات بين مطرقة “المكاس” وسندان غلاء أسعار المواد الأولية(صور)

تعد “سوق الذهب” الواقعة بين باب الفصيل و”السوق الدَخْلاَنِي” في قلب مدينة المكنين بولاية المنستير من المعالم التراثية النادرة في البلاد التونسية إذ تجمع بين التراث المادي والتراث اللامادي ولا تدب فيها حركة الحياة الاقتصادية إلا كلّ صباح أربعاء. هي سوق يمكن الوصول إليها عبر شارع الحبيب ثامر ويتوافد عليها الباعة منذ الساعة السابعة صباحا لعرض بضاعتهم في ساحة أولى مخصصة أساسا لبيع الحلي من الذهب والفضة.



وبمجرد السير بضع خطوات تستقبلك ساحة ثانية شبه مغلقة غطت حيطانها قطع مختلفة من الملابس التقليدية التونسية الأصيلة. بعضها يعرض على قارعة الرصيف والبعض الآخر على عربات متفاونة الأحجام. وتفتح بعض ربات البيوت الموجودة بالساحة أبواب منازلهن لعرض ما لديهن من قطع من اللباس المطرز القديم أو الجديد على زائرات السوق.
تقول ناجية الغربي عجوز في العقد السابع من عمرها كانت فتحت منزلها لعرض بعض القطع القديمة التي جلبتها لها نسوة أخريات أنّ “السوق أصابته وكسة ” (تقصد ركودا) منذ عامين أو ثلاث سنوات.
أما زهرة المصلي التي تخيط وتطرز منذ سن الثانية عشرة قطعا من الملابس على غرار “الكْنَاتِشْ” و”السْوَارِي” فقد أقسمت أنّها لم تبع اليوم أية قطعة منذ وصلت إلى السوق على الساعة السابعة والنصف صباحا، لذلك جمعت أغراضها على الساعة الحادية عشرة صباحا أو تزيد، لتغادر السوق التي تتواصل عادة إلى غاية الساعة الواحدة بعد الظهر قائلة “لقد تراجعت السوق كثيرا ولم تعد كما كانت في السبعينات”.
ارتفاع أسعار المواد الأولية ونقصها
واعتبرت فاطمة مهبرش أصيلة المكنين تبلغ 73 سنة وتمارس التجارة منذ 40 سنة وهي جالسة على أحد الأرصفة وحولها قطع من اللباس المطرز التونسي الأصيل على غرار “الأحرمة الحرير” وهي نوع من اللحاف يبلغ طوله 9 أمتار و”أحزمة التل” و”الأكمام” نوع من اللباس و”الفرق” نوع من القبعة توضع على الرأس و”الكنتوش” قطعة لباس والأحزمة المطرزة والملية التي يتراوح طولها بين 8 و9 أمتار، أنّه منذ غلاء سعر الذهب لم يعد بمقدور النسوة العمل كالسابق.
وتابعت قولها “سعر “التل” وهو نوع من الخيط الذهبي على شكل لولبي ارتفع مقابل قلة توفره في السوق ولم يعد هناك بيع منذ أربع أو خمس سنوات لكن النسوة يأملن أن ينشط البيع قليلا خلال الربيع وشهري ماي وجوان مع اقتراب موسم الأعراس”.
وبيّنت ناجية الغربي التي فتحت منزلها لبيع قطع اللباس التقليدي أنّ جودة الصنعة متوفرة غير أنّ غلاء المواد الأولية جعل كثيرات من النسوة اللاتي يمارسن التطريز يضطررن إلى استعمال الشمع عوض الفضة، معتقدة أن الجفاف أثر أيضا كثيرا على نشاطهن الذي يعرف عادة ازدهارا بعد انقضاء موسم جني الزيتون.
وأكدت وسيلة القصاب من مدينة قصر هلال والبالغة من العمر خمسين عاما وتختص في صناعة “العصابة” المكوّنة من قماش أخضر أو أحمر قان من ورود من الحرير و”القونتيل” والفضة وتبيعها بسعر يتراوح بين 25 و150 دينارا، أنّها طورت هذا المنتوج ليتخذ إما شكل عقد أوأساور أو أحذية صيفية، مضيفة أنّ هناك إقبالا على ما تعرض من منتوجات.
وقالت لوات زهرة بلحاج التي تنتصب في سوق الذهب منذ 23 سنة أنّها “تَنْضُمُ” حسب التسمية الشعبية لعملية ترتيب قطع من الحلي على شكل قلائد وتبيعها بنفسها في السوق معتبرة أنّ السوق اليوم جيّدة فقد باعت ثلاثة قلائد وخمسة “تلايل” وهي جمع لكلمة “التْلِيلَةْ” حسب التسمية الشعبية والتي تعني نوعا من العقد المكوّن من حجارة كريمة وبعض الحلي من الفضة على شكل سمكات وقطع نقود وجميعها مذهبة اللون. ويتراوح سعر التليلة من الفضة بين 150د و300 د وعندما تكون مصنوعة من الذهب عيار تسعة يبلغ سعرها ألف دينار. أمّا القلادة فيبلغ سعرها بين 250 د إلى ألف و500 د وطولها مترا ومترا وربع حسب ما ذكرت. وأكدت زهرة أنّ الفتيات الشابات يقبلن على شراء هذه الأنواع من القلائد.
معاناة النسوة التاجرات من “المكاس”
وأكدت النسوة اللاتي يعرضن بضاعتهن للبيع في سوق الذهب أنّ عليهن دفع 10 دنانير “للمكاس” أو الوسيط الذي له لزمة السوق بالنسبة إلى كل تاجرة تنتصب ولها مكان معيّن لعرض بضاعتها أما الأخريات فيدفعن نسبة من مبلغ بيع كلّ قطعة إلى المشرف على السوق. وذكرت خديجة عمّار من منطقة الزامرين أنّها لم تعد تنتصب في السوق منذ سنتين بسبب ما تعانيه من “المكاس” وأصبحت تقتصر على جلب بعض من قطع الملابس لبيعها مع بناتها، مشيرة إلى أنّ الظروف في المهدية أفضل بكثير فعند الانتصاب في “السقيفة الكحلاء” (المعلم الأثري باب الفتوح) في المهدية لا يدفعن مالا. وقالت “في السابق منذ خمس سنوات كان الوسيط يضرب النسوة لأخذ المال”.
وذكرت إحدى النسوة التي باعت قطعة حلي بخمسة وعشرين دينارا أنّ الوسيط أخذ منها دينارين في حين تبقى لها ديناران ونصف فقط لأنّ قطعة الحلي على ملك إمرأة طلبت منها بيعها.
وقال وسام العريبي الذي له لزمة سوق الذهب بالمكنين منذ سنتين إنّه يأخذ من النسوة ضريبة قدرها 5 دنانير عند الانتصاب وعندما يشترين ويبعن “الحْرَاقَةْ” أي اللباس التقليدي يدفعن له ضريبة قدرها 5 دنانير، ونفى عملية ضرب النسوة حتى قبل أن يتسلم لزمة السوق غير أنّ إحدى النسوة من الزبونات في المكان أكدت حدوث ذلك.
وأشار العريبي أنّ عدد العارضين اليوم بلغ حوالي 15 من بينهم 8 أو9 من النسوة، مؤكدا أنّ نسق البيع في السوق تراجع كثيرا فبعد أن كان عدد العارضين 22 أصبح 5 فقط في سوق الذهب علاوة على أنّ الأمطار تحول دون الانتصاب في السوق.
واعتبر عبد القادر الأحمر تارزي في المكنين البالغ من العمر 75 سنة أنّ سوق الذهب فقدت كثيرا من بريقها علاوة على أنّ جودة الذهب المعروض بها تراجعت أيضا مقارنة بما كانت عليه في السابق إذ كان يمكن رهن قطعة الذهب أمّا الآن فقد أصبح “مغشوشا” حسب قوله. وكانت “سوق الذهب” حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح الأربعاء شبه خالية من الحرفاء إلاّ النزر القليل منهم.


Commentaires